فصل: تفسير الآيات (28- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (28- 34):

{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} في آل عمران قولان:
أحدهما: أنه موسى وهارون ابنا عمران.
والثاني: أنه المسيح، لأن مريم بنت عمران، وهذا قول الحسن.
وفيما اصطفاهم به ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه اصطفاهم باختيار دينهم لهم، وهذا قول الفراء.
والثاني: أنه اصطفاهم بتفضيلهم في الأمور التي ميزهم بها على أهل زمانهم.
والثالث: أنه اصطفاهم باختيارهم للنبوة، وهذا قول الزجاج.
قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم صاروا ذرية بالتناصر لا بالنسب، كما قال تعالى: {المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [التوبة: 67] يعني في الاجتماع على الضلال، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني: أنهم في التناسل والنسب، إذ جميعهم من ذرية آدم، ثم من ذرية نوح، ثم من ذريةإبراهيم، وهذا قول بعض المتأخرين.

.تفسير الآيات (35- 36):

{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} فيه ثلاثة أقاويل:-
أحدها: محرراً أي مُخْلَصاً للعبادة، وهذا قول الشعبي.
والثاني: يعني خادماً للبيعة، وهذا قول مجاهد.
والثالث: يعني عتيقاً من الدنيا لطاعة الله، وهذا قول محمد بن جعفر بن الزبير.
قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ ربِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى} إنما قالت ذلك اعتذاراً من العدول عن نذرها لأنها أنثى.
ثم قال تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التاء، فيكون ذلك راجعاً إلى اعتذارها بأن الله أعلم بما وضعت، وقرأ الباقون بجزم التاء، فيكون ذلك جواباً من الله تعالى لها بأنه أعلم بما وضعت منها.
ثم قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} لأن الأُنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر من خدمة المسجد المقدس، لما يلحقها من الحيض، ولصيانة النساء عن التبرج، وإنما يختص الغلمان بذلك.
{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه: من طعن الشيطان الذي يستهل به المولود صارخاً، وقد روى ذلك أبو هريرة مرفوعاً.
والثاني: معناه من إغوائه لها، وهذا قول الحسن، ومعنى الرجيم المرجوم بالشهب.

.تفسير الآية رقم (37):

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قوله عز وجل: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} معناه أنه رضيها في النذر الذي نذرته بإخلاص العبادة في بيت المقدس.
{وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} يعني أنشأها إنشاءً حسناً في غذائها وحسن تربيتها.
{وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} قرأ أهل الكوفة {وَكَفَّلَهَا} بالتشديد، ومعنى ذلك أنه دفع كفالتها إلى غيره. وقرأ الباقون: {كفَلَهَا} بالتخفيف، ومعنى ذلك أنه أخذ كفالتها إليه.
{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} وهو معروف، وأصله أنه أكرم موضع في المجلس.
{وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} فيه قولان:
أحدهما: أن الرزق الذي أتاها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي.
والثاني: أنها لم تطعم ثدياً قط حتى تكلمت في المهد، وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة، وهذا قول الحسن.
واختلف في السبب الذي يأتيها هذا الرزق لأجله على قولين:
أحدهما: أنه كان يأتيها بدعوة زكريا لها.
والثاني: أنه كان ذلك يأتيها لنبوة المسيح عليه السلام.
{قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الله تعالى كان يأتيها بالرزق.
والثاني: أن بعض الصالحين من عباده سخره الله تعالى لها لطفاً منه بها حتى يأتيها رزقها. والأول أشبه.
{إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنه حكاية عن قول مريم بعد أن قالت هو من عند الله.
والقول الثاني: أنه قول الله تعالى بعد أن قطع كلام مريم.

.تفسير الآيات (38- 41):

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} اختلف في سبب دعائه على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى أذن له في المسألة لأن سؤال ما خالف العادة يُمْنَع منه إلا عن إذن لتكون الإجابة إعجازاً.
والثاني: أنه لما رآى فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف طمع في رزق الولد من عاقر.
{قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} يعني هب لي من عندك ولداً مباركاً، وقصد بالذرية الواحد.
{إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ} أي تجيب الدعاء، لأن إجابة الدعاء بعد سماعه.
قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ} قرأ حمزة، والكسائي: {فَنَادَاه الْمَلآئِكَةُ}، وفي مناداته قولان:
أحدهما: أنه جبريل وحده، وهو قول السدي.
والثاني: جماعة من الملائكة.
{وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} قيل إنما سمّاه يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان، وسماه بهذا اسم قبل مولده.
{مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: بكتاب من الله، وهذا قول أبي عبيدة وأهل البصرة.
والثاني: يعني المسيح، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والربيع، والضحاك، والسدي.
واختلفوا في تسميته كلمة من الله على قولين:
أحدهما: أنه خلقه بكلمته من غير أب.
والثاني: أنه سُمِيَ بذلك لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بكلام الله عز وجل.
{وَسَيِّداً} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه الخليفة، وهو قول قتادة.
والثاني: أنه التقي، وهو قول سالم.
والثالث: أنه الشريف، وهو قول ابن زيد.
والرابع: أنه الفقيه العالم، وهو قول سعيد بن المسيب.
والخامس: سيد المؤمنين، يعني بالرياسة عليهم، وهذا قول بعض المتكلمين.
{وَحَصُوراً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كان عِنَّيناً لا ماء له، وهذا قول ابن مسعود، وابن عباس، والضحاك.
والثاني: أنه كان لا يأتي النساء، وهو قول قتادة، والحسن.
والثالث: أنه لم يكن له ما يأتي به النساء، لأنه كان معه مثل الهْدبة، وهو قول سعيد بن المسيب.
قوله عز وجل: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يِكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} وإنما جاز له أن يقول: وقد بلغني الكبر لأنه بمنزلة الطالب له.
{وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} أي لا تلد.
فإن قيل: فَلِمَ راجع بهذا القول بعد أن بُشَّرَ بالولد، ففيه جوابان:
أحدهما: أنه راجع ليعلم على أي حال يكون منه الولد، بأن يُرّدّ هو وامرأته إلى حال الشباب، أم على حال الكبر، فقيل له: كذلك الله يفعل ما يشاء، أي على هذه الحال، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنه قال ذلك استعظاماً لمقدور الله وتعجباً.
قوله عز وجل: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي ءَايَةً} أي علامة لوقت الحمل ليتعجل السرور به.
{قَالَ ءَايَتُكَ ألاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تحريك الشفتين وهو قول مجاهد.
والثاني: الإشارة، وهو قول قتادة.
والثالث: الإيماء، وهو قول الحسن.
{وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيراً} لم يمنع من ذكر الله تعالى، وذلك هي الآية.
{وَسَبِّحْ بِالْعَشِّيِ وَالإِبْكَارِ} والعشي: من حين زوال الشمس إلى أن تغيب، وأصل العشي الظلمة، ولذلك كان العشى ضعف البصر، فَسُمَّي ما بعد الزوال عِشاءً لا تصاله بالظلمة. وأما الإبكار فمن حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأصله التعجيل، لأنه تعجيل الضياء.

.تفسير الآيات (42- 44):

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصطفاك} فيه قولان:
أحدهما: اصطفاها على عالمي زمانها، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنه اصطفاها لولادة المسيح، وهو قول الزجاج.
{وَطَهَّرَكِ} فيه قولان:
أحدهما: طهرك من الكفر، وهو قول الحسن ومجاهد.
والثاني: طهرك من أدناس الحيض والنفاس، وهو قول الزجاج.
{وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ} فيه قولان:
أحدهما: انه تأكيد للاصطفاء الأول بالتكرار. والثاني: أن الاصطفاء الأول للعبادة، والاصطفاء الثاني لولادة المسيح. قوله عز وجل: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني أخلصي لربك، وهو قول سعيد.
والثاني: معناه أديمي الطاعة لربك، وهو قول قتادة.
والثالث: أطيلي القيام في الصلاة، وهو قول مجاهد.
{وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} وفي تقديم السجود على الركوع قولان:
أحدهما: أنه كان مقدماً في شريعتهم وإن كان مؤخراً عندنا.
والثاني: أن الواو لا توجب الترتيب، فاستوى حكم التقديم في اللفظ وتأخيره، وأصل السجود والانخفاض الشديد والخضوع، كما قال الشاعر:
فكلتاهما خَرّت وأسجّدّ رأسُها ** كما سَجَدتْ نصرانةٌ لم تحنف

وكذلك الركوع إلا أن السجود أكثر إنخفاضاً.
وفي قوله تعالى: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} قولان:
أحدهما: معناه وافعلي كفعلهم.
والثاني: يعني مع الراكعين في صلاة الجماعة.
قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ} يعني ما كان من البشرى بالمسيح.
{نُوحِيهِ إِلَيْكَ} وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة، كما قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيٍّا}. قال العجاج:
........................... ** أوحى لها القرار فاستقرّت

{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها، فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وقال القوم: نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة، وانحدرت أقلامهم فقرعهم زكريا، وهو معنى قوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا} وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والربيع.
والقول الثاني: أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤونتها، فقال للقوم: ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له، وهذا قول سعيد.